الأحد، 25 أكتوبر 2009

حسنين عبد الملك حسنين .. في رحلة إلى الصفر!!

سألتُ الحكيم شيخُنا ذات مرة وقلتُ له:

- يا شيخنا .. الكاتب، سواء كان صحفياً أو أديباً أو كل من يمسك بالقلم ليخط حرفاً يقرأه غيره، كيف يعرف أنه نجح؟ كيف يعرف أنه استطاع أن يوصل رسالته للناس؟

أطرق شيخنا قليلاً ثم حكّ ذقنه كما يفعل الحكماء عادة عندما يسألونهم عن كيف يعرف الكاتب نفسه ناجحاً، ثم قال:

- اعلم يا بني أنّ الكاتب يمرّ بثلاث مراحل: (مرحلة تحت الصفر) أو (السالب)، (مرحلة الصفر)، و(مرحلة فوق الصفر) وتُسمى بـ (المُوجب)، يبدأ الكاتب مسيرته من تحت الصفر، من سالب بعيد، فيكون مغموراً، يكتب ولا يُقرأ له إلا القليل، ثم يمكث في هذا السالب ما شاء له أن يمكث، هنالك من يظل تحت الصفر عدة أيام، وغيره عدة شهور، وغيره عدة سنوات، ويكون له الخيار، إذا شاء سيتقدم وإذا أراد سيظل تحت صفره، كطفل أتاك يمسك بعصفور من عنقه ويخفيه خلف ظهره، أنت تعرف أن العصفور حيٌّ يرزق، ولكن يسألك الطفل:

- لدي عصفور في يدي خلف ظهري خمّن: هل هو حي أم ميت؟

وبما أن الأطفال يمتازون بالمكر والدهاء، إذا قلت له أن العصفور ميّت سيطلقه ليطير، وإذا قلت له أن العصفور حي يرزق، سيخنقه من عنقه ويسلمك له بلا روح، وأسالني يا بُني كثيرٌ من الأطفال يستمتعون بخنق العصافير عندما تقع في يد أحدهم، وحياتك مع الكتابة كمثل هذا الصبي، إذا شئت قتلتها، وإذا شئت تركتها لترفرف وتحلّق بك إلى النجاح، وهذا مَثلُ الكاتبُ وهو (تحت الصفر).


يواصل شيخنا:

إذا اجتهد الكاتبُ يا بُني، يستطيع أن يُقطّع حبال السالب وينطلق نحو الصفر، ولا تظنّن أن الوصول إلى الصفر هيّنٌ إلى هذه الدرجة، الصفر هو المكان التي يتساوى فيه جميع الكُتّاب، الصفر هو المنطقة التي إذا وصلتها، لن يتهمك أحد بالفشل، وكذلك لن يصفك أحد بالنجاح، الصفر هو المكان الذي يبدأ الناس برؤيتك منه، وهم فقط، إذا شاءوا انتشلوك منه، أو أرجعوك من حيث أتيت، إلى سالبك القديم، وإذا شاءوا رفعوك إلى فوق الصفر .. إلى الموجب، وكل هذا في النهاية بيدك، أنت الذي تجعلهم يرجعونك، وأنت الذي تجعلهم يثبتوك فيه، وأنت الذي تجعلهم يرفعوك منه.!

فـ الصفرُ يا بُني كالسالب تماماً في بعض الصفات، هنالك من يمكث فيه عدة أيام، وغيره عدة شهور، وهنالك من يظلّ فيه إلى الأبد، الصفر يشبه القمة، التي يصفها البعض بأن الوصول إليها صعب، ولكن المكوث فيها أصعب، الصفر كذلك المكوث فيه كـ أهل الأعراف، الذين تساوت سيئاتهم وحسناتهم، ينظرون إلى أهل النار فيستعيذون بالله منها ومن شرّها، ويحمدون الله أنهم ليسوا فيها، وينظرون إلى أهل الجنة فتتحّرق أنفسهم شوقاً للوصول إليها، ويندمون أشد الندم على أنهم ليسوا معهم، والماكثون في الصفر، ينظرون إلى أهل السالب فيستعيذون بالله من السالب ومن أهل السالب، وينظرون إلى أهل الموجب فتمتلئ أنفسهم بالحسرة والألم على أنهم ليسوا في زمرة أهل الموجب.


أما لماذا يظلّ أهل الصفر في الصفر، فهذا يشبه قصة الرجل الذي رأى رجلاً آخراً يركب قارباً في النيل، ويجدّف بكل ما أوتي له من قوة، ومع كلّ هذا، فإن القارب لا يتحرك إلى الأمام إطلاقاً، ذهب إليه ووجد العرق يتفصّد من جبينه، فسأله:

- ما بالك أيها الرجل؟

فأجابه صاحب القارب وأنفاسه تعلو وتهبط:

- كما ترى يا سيدّي أنا أجدّف وهذا القارب لا يتحرّك؟

نظر إليه الرجل مبتسماً ثم قال:

- لماذا لا تفّك الحبل الذي يربط القارب إلى الشاطئ.؟!

وهكذا الحال يا بُني، أهل الصفر يربطهم إلى الصفر حبلٌ خفي، لا يعرفون موضعه، وإذا عرفوه، واستطاعوا حلّه، سينطلق بهم القارب، ويتّجهون إلى الموجب، وينجحون، وتنطبق عليهم ذات القاعدة القديمة: إما أن يواصلون التقدم في الموجب وإما أن يتراجعون إلى الصفر.

وكما ترى يا بني أن الكاتب يعرف أنه نجح، وأنه أوصل رسالته للناس عندما يصل إلى فوق الصفر، إلى الموجب، وكما رأيت، فإن الوصول إليه ليس بهذه السهولة كما تظنّ.


هززتُ رأسي عجباً ثم قلتُ له:

- يا شيخُنا، كيف يعرف الكاتب أنه لا زال تحت الصفر؟ وكيف يعرف أنه في الصفر؟ وكيف يعرف أنه وصل إلى فوق الصفر أو إلى الموجب؟

حكّ شيخنا ذقنه برهة، وكما قلتُ سابقاً فإن حكّ الذقون هي عادة الحكماء في كل العصور، ثم قال:

- اعلم يا بني أن الكاتب يعرف أنه نجح عندما يؤثر بأفكاره في الناس، مثلاً أفترض أن هنالك كاتبٌ اسمه (حسنين عبد الملك حسنين)، أراد أن يعرف إلى أين وصل، هل هو تحت الصفر؟ أم أنه في الصفر نفسه؟ أم أنه فوق الصفر، خرج (حسنين) إلى الشارع العام، وأوقف أحد المارّة وسأله:

- يا ابن العم .. هل تعرف الكاتب الصحفي (حسنين عبد الملك حسنين)؟

فيهزّ المواطن رأسه بحيرة ثم يقول:

- لا .. للأسف لم أسمع به؟

هنا يرجع (حسنين) مُحبَطاً، ولكنه يعرف أنه الآن (تحت الصفر).!


بعد عدة شهور، أو عدة سنوات، يخرج (حسنين) إلى الشارع، فيقابل ذات الشخص الذي قابله من قبل ويسأله:

- يا ابن العم .. هل تعرف الكاتب الصحفي (حسين عبد الملك حسنين)؟

هذه المرة يجيبه المواطن مباشرة:

- نعم أعرفه .. إنه يكتب في صحيفة كذا؟

حسنين يسأل مرة أخرى:

- هل تعرف شكله كيف يبدو؟ أو هل تتذكر واحدة من مقالاته؟

فيجيب المواطن:

- الحقيقة لا أعرف شكله .. قرأت له ولكن لا أتذكر واحدة من مقالاته.!

يرجع (حسنين) مُحبَطاً ولكنه يعرف أنه الآن وصل إلى (الصفر).!


بعد عدة شهور أو عدة سنوات يخرج حسنين إلى الشارع، ومن عجائب الأمور أن يجد نفس الرجل الذي صادفه من قبل ويسأله ذات السؤال الخالد:

- يا ابن العم .. هل تعرف الكاتب الصحفي (حسنين عبد الملك حسنين)؟

فيبحلق فيه المواطن مندهشاً ثم يقول بانبهار:

- أووووه .. أنت هو الكاتب المشهور حسنين عبد الملك حسنين.!!

ثم يبدأ المواطن في الحديث بأنه لقد قرأ للكاتب (حسنين) مقالاً عن كذا وكذا وكذا، وأن المقال الفلاني أثرّ فيه وغيّر مجرى حياته، وأن العمود الفلتكاني جعله ينظر إلى الدنيا بمنظار جديد، ثم يرجع الكاتب (حسنين عبد الملك حسنين) إلى بيته مسروراً، ويعرف أنه الآن كاتباً صحفيّاً في قلب (الموجب).!

ثم أردف شيخنا قائلاً:

- الآن يا بني .. هل فهمت كيف يعرف الكاتب أين وصل؟

قلتُ بإحباط:

- نعم يا شيخُنا فهمت؟

التفت شيخنا نحوي ثم قال باهتمام:

- أنت الآن كاتب صحفي يا بُني، قل لي أين مكانك؟ هل أنت تحت الصفر؟ أم في الصفر نفسه؟ أم فوق الصفر؟

أجبته بإحباط يزيد عن الإحباط السابق بحوالي عشرة درجات:

- اعتقد يا شيخنا أنني الآن بالضبط في سالب ما لا نهاية، وحتى أصل الصفر سيحتاج الأمر مني ربما عدة قرون.!

ثم خرجتُ إلى شارع مزدحم بالمواطنين، وصرت أجول ببصري لعلّي أجد ذلك المواطن الذي صادفه الكاتب (حسنين عبد الملك حسنين).!

0 التعليقات:

إرسال تعليق