الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

فلسفة حياة

(1)

رأيتُ وسمعتُ ومررتُ بكثير مِن الناس مَن يُصرّح بأن فلسفته في الحياة هي كذا وكذا وكذا، إذا كان القائل مُطرباً، يقول أن فلسفته في الحياة هي إرضاء الجماهير، وإذا كان (رجل أعمال)، ستكون فلسفته في الحياة هي أن يغتنم الفرصة التي تقع أمامه لأنها من المحتمل ألاّ تعود، وإذا كان القائل تاجر بطيخ، ستجد أن فلسفته في الحياة هي أن كل شيء في هذه الحياة عبارة عن بطيخة مقفولة، أولهم الزوجة الجديدة بالنسبة للرجل، والزوج الجديد بالنسبة لزوجته، (لست أدري لماذا يعتبرون الزوجة بطيخة مقفولة، في حين أن هذا المثل لا ينطبق على الرجل، فهو على ما يبدو بطيخة مفتوحة بالفطرة)، المهم أن لكل امرئ -وإن لم يكن يدري أو لم يكن يسميها كذلك- ستجد أن له فلسفته الخاصة به في الحياة الدنيا القصيرة الفانية.!

(2)

ما دام أن لكل ابن آدم فلسفة معيّنة في الحياة، وما دمتُ أنا ابن آدم مُحترم، إذن لا بد أن تكون لدي فلسفتي الخاصة في الحياة، ولم لا؟ لستُ استثناءاً، لذلك بحثتُ في حياتي القصيرة –نوعاً ما- لاستخلص منها فلسفة تليق بمقامكم العالي الرفيع، بالطبع لا أفكّر في فلسفة تُسطّرها الأجيال في كتب التاريخ والموسوعات، ولا أن تُدرّس لتلاميذ المدارس في الألفية الرابعة، مِثل أن تدخل المُعلّمة وتقول: اليوم حصتنا عن فلسفة أسامة بن جاب الدين في الحياة، أطمئنوا لن يصل الأمر لهذا الحدّ، إذا كنتُ أرسطو أو أفلاطون، لكان الأمر سهلاً، ولكنني ليس كذلك.!

(3)

إذا ألقيت نظرة سريعة على البشر في الكون ستجد أنهم ينقسمون إلى قسمين: مُتفائلٌ ومُتشائم، المتفائل هو الذي يرى الأمور بنظرة وردية حالمة، يخرج من البيت فيتوقّع أن تقف أمامه الحافلة خالية من المقاعد، وإذا كان راكباً سيارته الخاصة يتوقّع أن يكون الشارع غير مزدحم، وأن تضيء الإشارة الخضراء في كلّ مرّة يمرّ بها، وتحمرّ خلفه مباشرة، وأن يجد المسئول لم يذهب لوجبة لفطور بعد، ويُوقّع له أوراقه في دقيقة واحدة ويبتسم له في وُد، ويتوقع ألا تقطع الكهرباء لمدة شهر، وأن تكون المياه متدفقة من المواسير كما الشلالات…إلخ، هذا هو المتفائل، وهو كما ترى من أكثر الناس تعرّضاً لخيبة الأمل، منذ سنين طويلة قال نيوتن: (لكل فعلٍ ردّ فعل مساوياً لهو في المقدار ومضاداً له في الاتجاه)، ونيوتن لم يكن أحمقاً بالتأكيد، لأن المتفائل تنطبق عليه هذه القاعدة بالنَص، يعود المُتفائل من العمل في يومٍ حرارته كالجحيم، فيتوقّع أن يجد المراوح تدور بسرعتها القصوى، وأن يهبّ عليه المُكيّف نسائمه العليلة، ولكنه يتفاجأ بأن الكهرباء قاطعة، وبأنه لا يملك مُكيّف من أساسه، فيكون ردّ فعله أن يصاب بالإحباط وخيبة الأمل.!

(4)

بعكسه تماماً المُتشائم، يعود من العمل جيبه خالياً ومُفلّساً كـ (الأميبا)، وهو في الطريق يتوقّع أولاً أن يكون كل ما يعرفه في هذه الحياة قاطعاً، الكهرباء والمياه والغاز والنسيم العليل، ويتوقّع أن يجد في المنزل عشرة ضيوف أتوا من البلد وسيمكثون معه شهرين متتابعين، ويتوقع كذلك أن يجد ابنه الأصغر قد قذف التلفزيون بحجر فكسر شاشته على تسع قطع غير متساوية، يدخُل المنزل، يجد أن الكهرباء تعمل، وأن المياه تنزل من الحنفية شفافة تترقرق كما الحلم، والغاز لم يقطع كذلك، ابنه الأصغر لم يكسر التلفزيون، لم يسقط نيزك في البيت فيبيده عن آخره، فـ يجرّ أنفاسه بسعادة ويحمد الله، ويقول في سرّه:

- كم هي جميلة هذه الحياة التي تأتي وتجد أن كل شيء في مكانه، ما أجمل الدنيا عندما تدخل البيت وتجده مُستقرّاً في مكانه كما تركته في الصباح، لم يسقط فيه نيزك، لم يهدّه زلزال، لم ينسفه صاروخ أمريكي بالخطأ بحجة أنك تصنع قنابل بوزوترينية في المطبخ.

وينام هادئ البال مرتاح الضمير.!

(5)

أحب أن أُذكّرك بأنني لستُ مُتشائماً يرى الحياة بمنظار أسود كئيب، ولكنني دائماً أتوقع الأسوأ، وهذا أعتبره نوع خاص من التفاؤل، إذا حدث فعلاً ووقع هذا الأسوأ، لا أتفاجأ كثيراً، وإذا لم يحدث، فـ كم أن هذه الحياة جميلة ورائعة، وهي كما ترى الفلسفة التي خرجتُ بها من الحياة، فتوقُّع الأسوأ يجعلك تحتاط له، إذا وقع لن يؤثّر عليك كثيراً فأنت قد كنت مستعدّا له على الأقل، وإن لم يقع، فـ الحمد لله الذي كفى المؤمنين شرّ القتال، والعكس هو الصحيح، عدم توقّع الأسوأ يجعلك غير محتاط له، فـ إذا وقع ستُفاجأ بأنك كم كنتَ أحمقاً وقصير النظر.!

والسبب في كلّ ما خرجتُ به أنه لم يحدث أن انقضى لي أمرٌ بسهولة بتاتاً، حتى أنني صرتُ أشكّ في أي مصلحة تنقضي لي بسلاسة ويسر، فـ هذه لابد أنها تحوي في طيّاتها مصيبة ما قادمة، كانت تواجهني المتاعب في كل خطوة أخطوها، على الرغم من أنني لم أكن أبحث عن المتاعب، بل هي التي تسعى نحوي، يقول الشاعر الألماني (فلهلم بوشه) في بيت شعر جميل:

- لا أحد يشتري الفئران .. الفئران تهرع من تلقاء نفسها إلى دارك.!

كلّ هذا جعلني أرفع شعار: (توقّع الأسوأ)، فـ هذه هي واحدة من فلسفاتي في الحياة، قد تراها عبارة عن حماقة من النوع الحميد، ولكنها تجعلني أعيش في سعادة وحبور، ولدّي والحمد لله كومٌ لا بأس به من الفلسفات الحمقاء سأوافيك بها يوم ما، أما الآن سأدعك لكي تبحث براحتك عن فلسفتك الخاصة في الحياة.!


0 التعليقات:

إرسال تعليق