السبت، 14 نوفمبر 2009

تحليل شخصية المدخن

هل لاحظت شخصاً يلقي ببقية سيجارته ثم يطؤها بقدمه في شره وعنف وغبن، حتى يخيل إليك أنه يريد تحطيم شيئاً آخراً سواها، وهل لاحظت آخراً يشعل السيجارة من سابقتها، وثالثاً لا يكاد يبتلع منها نفساً أو اثنين حتى يلقيها ليشعل غيرها، ترى لماذا يلجأ الناس إلى التدخين في هدوء، ولا ينسى بعضهم يتفنّن في إرسال أشكال عديدة من الدخان المتصاعد من فمه، ومرات تجده يرسل سحب الدخان ويضحك لوحده لتخيله شيئاً عجيباً يعرفه هو وحده؟.

هذه الأسئلة وعشرات غيرها لو استطعت الإجابة عليها لأمكنك دراسة شخصية صاحبها، وكذلك شخصيتك أنت إذا كنت مدخناً، وأحب أن أنصحك بعدم التدخين لأنه ضار بالصحة، لكن أعرف جيداً إذا كنت مدخنا، فلن تقتنع بهذا القول، فـ كل صندوق سجائر قد كتب عليه بخط النسخ العريض:

- (تحذير: التدخين ضار بالصحة وسبب رئيسي لسرطان الرئة).

ولكن لا أظن أن هنالك مدخناً ترك التدخين لمجرد قراءته هذه العبارة، وعلبة السجائر حتى ولو كتب عليها:

- (تحذير: التدخين يسبب حمى الوادي المتصدع، وداء الفيل، وأنفلونزا الطيور، وسبب رئيسي لاختصار الطريق إلي القبور)!

قد يقرأ أحدهم هذه العبارة وهو يجر منها نفساً عميقاً من السيجارة رقم تسعة من ذات العلبة ويغمغم وسط الدخان:

- (بالله .. كل هذه المصائب تأتي من تحتها).!

الخبراء في علم الفراسة يؤكدون أنه من الممكن تماماً دراسة المدخن من طريقة تدخينه، فهم يقولون أن من يدخن سيجارته كلها حتى لا يبقي منها إلا الشيء اليسير، فهو إما بخيل أو شديد الفقر، ومن يدخن سريعاً ولا ينزع السيجارة من فمه فهو حسود غضوب محب للخصام، ولكنه حازم ثابت الرأي، ومن يرمي برماد سيجارته نقضاً على الدوام، فهو مرتبك الأفكار مضطرب البال، ومن يحرك السيجارة دائماً بين يده وشفته حتى يحترق ولا ينتبه، فهو إما شاعر أو محرر جريدة، والغالب أنه من بين عشرة مدخنين كهؤلاء يكون ثمانية منهم محرري جرائد واثنان من الشعراء.!

إذا كنت غير مدخن ويحرقك الفضول لتدرس شخصيات المدخنين، أجلس بهدوء وفي يدك قدح شاي، وتابع معي السطور القادمات.!

طريقة التدخين ودواعيه وحركاته تتأثر جميعها بالحالة النفسية والعصبية، وهذا ما تعتمد عليه الفراسة هنا، والمسألة ليست من الصعوبة بما تتصور، إذا يسهل على كل إنسان تفسيرها وإيضاحها إذا عرف القليل من مظاهر الاضطرابات العصبية وخوالج النفس، ثم تعال إلى هذا المدخن ترقبه وهو يقلب ويداعب صندوق سجائره، فيتناول منه واحدة ولا ينسى أن يدق بها على الصندوق عدة مرات، ثم يشعلها ويلقي برمادها على منفضة السجائر أو على الأرض وقد سرح منه الطرف في واد آخر، ومن هذه الحركة تعرف ما يساوره من هموم وشكوك تعتمل في صدره قد تصرفه عما حوله، وغالباً ما ينتبه بعض هؤلاء الناس ليروا أنهم قد أحرقوا طرف الملاءة أو مفرش المنضدة، أو غطوا الأرض حولهم بأعقاب السجائر، فيعتذرون بأسى، وإذا راقبناهم نجد أنهم بعد فترة يعاودون إتيان ما اعتذروا عنه قبل قليل، لأن متاعب أنفسهم تطغى على كل شيء فيخفونها بالتدخين.!

إن من المدخنين من يشعل السيجارة تلو السيجارة دون أن يشعر لها بطعم، ويدخن الكثير من السجائر دون أن ينال منه ما يريد، وكل ما يهمه هو أن يتأملها بين أصبعيه. إن أمثال هذا المدخن وغيره يعانون اضطراباً عصبياً حاداً وغالباً ما يكونون من رجال الأعمال الذين كل همهم الإسراع في العمل وتركيز الفكر والإنتاج الوفير.!

أما ذلك الذي ينفث الدخان في بطء فهو خالي البال، يقل تدخينه أثناء النهار ويكثر في أوقات الفراغ وفي الليل، حيث يستطعم السيجارة، ومثل هذا يتصف بالتفكير العميق وسرعة البت في الأمور.!

وهنالك مدخنون يطيب لهم أن يروا أشكالاً معينة خلال سحب الدخان التي تخرج من أفواههم في شكل حلقات يتفننون في إخراجها، فهؤلاء من النوع الخيالي الذي تراوده أحلام النهار، وتترائي له في دخان سيجارته، وتبرز طبيعتهم في هذا المظهر فيحاولون به ابتداع غير المألوف للناس ويجدون لذتهم في تصاعد الدخان على تلك الصورة، فلذة التدخين عندهم هي رؤية الحلقات أثناء التدخين وليس في الطعم أو النكهة.!

أما أولئك المدخنين الذين يبتلعون من السيجارة نفساً أو نفسين ثم يدعونها تحترق لوحدها؛ فإنهم يدلّون بذلك بأن العمل يستأثر بهم فينسيهم وجودها، وهؤلاء لديهم اعتقاد بأنهم سيكفون عن التدخين قريباً ولكن هيهات، أحياناً ينجحون، إلاّ أنّ بعضهم يترك التدخين عشرين مرة في الشهر!

وهنالك فريق آخر يلذ لهم إخراج سحب الدخان بسرعة، كقطار داخل إلى المحطة لتوه، فلا يكادون يضعون السيجارة في أفواههم حتى ينفثوا دخانها في عجلة، وأمثال هؤلاء الناس كثيراً ما يكونون واقعين تحت إرهاق عصبي لا يحتملون معه الانتظار، وتقلقهم بعض المسائل التي لا يجدون لها حلا فـ ينفثون قلقهم في السيجارة، ويقال أيضاً أن هؤلاء ابتلوا بزوجات مشاكسات كثيرات الكلام, نسأل الله يكون في العون.!!



2 التعليقات:

عبدالرحمن إسحاق يقول...

تحليلات مقنعة نوعاً ما، ربما تكون أحدها تفسيراً لتدخين بعض الطلاب -هداهم الله- فور خروجهم من المدرسة

غيسى خبيزي يقول...

متميز في كتاباتك , اتمنى ان تتابع مدونتي المتواضعة
http://aissa-mdw.blogspot.com/

إرسال تعليق