الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

صفحة من مذكراتي - 3

(1)

قال لي أخي التوأم:

- يجب أن تغيّر صورتك في الصحيفة.!

أخي الأصغر منه قال لي:

- يجب أن تغيّر صورتك في الصحيفة.!

أحد أصدقائي أيضاً طلب مني تغيير صورتي في الصحيفة ، جاري يعمل مصوراً وصاحب استديو عتيق، في كل مرة يقابلني فيها يطالبني بتغيير صورتي في الصحيفة.!

يبدوا أن صورتي في الصحيفة صارت هذه الأيام أكبر من أن يستوعبها العالم، ويبدو كذلك أن قطاعاً لا بأس به ممن يهمهم أمري تركوا مصالحهم وصبّوا جام اهتمامهم على صورتي المسكينة.

سألتهم:

- لماذا أغيّر صورتي في الصحيفة ؟ خصوصاً وأنني لا أجد سبباً قوياً ومقنعاً لتغييرها، ما عيبها؟ هل أصبحت تسبب للقراء تلوثاً بصرياً؟ أم أن العلماء اكتشفوا -قبل فوات الأوان- أن النظر إلى صورتي يسبب سرطان البنكرياس؟ أم يا ترى أنها السبب الرئيسي في خروجنا من تصفيات كأس العالم؟.

كان ردّهم بأن صورتي صارت قديمة، كل الصحفيين في الصحيفة التي أعمل بها (صحيفة حكايات) غيّروا صورهم، وأحصوهم لي واحداً واحداً، الأستاذة (منى سلمان) غيّرت صورتها ثلاث مرات، الدكتور (فتح العليم عبد الله) بدّل صورته ووثق لها في مقال مستميت، الأستاذ (سعد الدين إبراهيم) غيّر صورته ذات مرة، كذلك الأستاذ (علي يس) غيّر صورته، الأستاذ (شوقي بدري) فعل ذات الشيء، كل العالمين غيّروا صورهم، ما عداك، لماذا تخالف الجميع وتصرّ على صورتك القديمة؟

طالبتهم أن يبدوا لي أسباباً غير القِدَم، لأن من يسمع كلمة قديمة هذه يظن أن هذه الصورة لها خمس وأربعين حولاً، مع أن عمري في الجريدة نفسها لا يتعدي الثلاثة أعوام.!

(2)

انقسم القوم إلى قسمين: منهم من قال إنها أصغر مني وأنني أبدوا أكبر بعض الشيء عندما ينظر إليّ أحدهم بالعين المجردة، القسم الآخر أصدر فتوى وقال أنها أكبر مني، وهؤلاء حجتهم باطلة وروايتهم ضعيفة وبلا سند، يمكن أن تكون صورة أي ابن آدم أصغر منه، ولكنه مهما اجتهد لا أظنها ستكون أكبر منه، ثم أن هنالك عدة أسباب تمنعني تغيير صورتي في الأيام الحالية، منها أنني بالكاد أجد الزمن الكافي للتنفس، دعك من تخصيص وقت للجلوس أمام مصوّر ليأمرني أن ألتفت ذات اليمين قليلاً، ثم يغيّر رأيه سريعاً ويقول لي أن ألتفت إلى اليسار بعض الشيء ليرجعني لذات النقطة الأولى، ويختم قوله بأن أرفع رأسي قليلاً، ثم يبعد عينيه عن عدسة الكاميرا ليتأمل في جماليات الكادر بنظرة شاملة، ويطلب مني ألاّ أرمش ولا أتنفس، ثم يحسب من واحد إلى ثلاثة، وأتذكر هنا قول (آينشتاين) في الدقيقة التي تبدوا كـ سنة إذا وضعت يدك على مقلاة، وأنا أمام المصوّر أرى أن الفترة بين الواحد والاثنين تكفي لتصوير مسلسل مكسيكي من ألف حلقة، ثم بعدها يبدأ المصور يمطرني بالفلاش، ومن حِكَم الله في عباده أنني لا أرمش إلاّ أثناء أخذ اللقطة تماماً، وأوقّت لها لا إرادياً بدقة لا تتوفر لدي ضفدع ماهر عند اصطياده حشرة تعيسة، ينظر المصوّر بـ استياء إلى اللقطة في شاشة صغيرة تنبعث من جانب الكاميرا كـ أذن البعير، يبحلق في صورتي ذات العينين المغمضتين، ثم يمط شفتيه بأسف ويطلب مني أن أجلس لإعادة جلسة التعذيب مرة أخرى، وهذه المرة أقترحُ عليه أن يُصوّرني على حين غِرةّ، أي تصوير فجأة، وليس هنالك داع للحساب من واحد إلى ثلاثة، فهذا الزمن يكفي لدفع قمر صناعي خارج الغلاف الجوي، وإن كان لابد فليحسب من الصفر للواحد.!

(3)

ما دام الأمر صعباً هكذا.. ألا ترى معي أن ذهابي إلى الاستديو مغامرة لا وقت لدي لخوضها، بل ولا أرى سبباً وجيهاً لتغيير صورتي في الأيام الحالية على الأقل، إنها والحمد لله تؤدي مهمتها المُوكل إليها بكل تجرّد وإخلاص، وإنني متمسك بها حتى النخاع، خصوصاً وأنني قد اكتشفت مؤخراً أن صورتي تشبهني كثيراً منذ أن مررتُ بذلك الموقف السخيف مع جاري صاحب البقالة الذي أبتاع منه حاجياتي كل يوم، وفي ذلك اليوم قال لي وهو ينقر الميزان بشيء له حيزوم طويل ليحثه على أن ينزل لتتساوي الكفتان، وهذا هو السبب الذي أباد الله به قوم سيدنا (شُعيب) عليه السلام، كان يفعل ذلك أثناء وزنه لشيء يتبع لفصيلة البقوليات، قال وهو لا يزال يؤّز ميزانه بذات الشيء:

- والله يا أسامة اليوم هنالك صحفيّ في جريدة اسمها حكايات .. كتب موضوعاً جميلة .. وهو على فكرة يشبهك كثيراً.

ثم ضحك ضحكة صغيرة كـ تلك التي يضحكها المتعجب المندهش المستنكر، وقال:

- الغريب أن اسمه مثل اسمك (أسامة) هل تصدّق؟

اغتظتُ منه كثيراً، لا يمكن بالطبع أن أصدّق هذا الأمر، ولو كان بقربي مدفعاً من طراز (آر.بي.جي) كنت سـ أجعل المكان أجمل بعد قليل، ولكنني تحاملت على غيظي وقلت له:

- سبحان الله .. يخلق من الشبه أربعين!

وذهبت منه وأنا أكاد أن أنفجر، أحد أبناء الحي تطوّع وصحح معلوماته بأنني أسامة الصحفي في (صحيفة حكايات)، بعدها صاحب البقالة صار كلما يراني يضرب يداً بيد متعجباً ويتمتم في سرّه بكلمات لا أعرفها، وإن كنت أتمنى.!

(4)

ومن هذا الموقف اكتشفتُ أن صورتي تشبهني والحمد لله، وأقنعتُ كل من يطالبني بالتغيير بأن عدم تغييري لصورتي سوف لن تتغير بسببه نواميس الكون، لن يحدث بسبب ذلك خسوف جزئي للقمر، ولن تغرقنا الفيضانات، وسيظل سعر الدولار ثابتا كما هو، لن يتسع ثقب الأوزون أكثر مما هو عليه، لذلك .. ولجميع الأسباب أعلاه، ستظل الصورة باقية حتى إشعار آخر.!

0 التعليقات:

إرسال تعليق