الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

لا تكن ناحساً ولا منحوساً

أحد أقاربي لعل اسمه (حسن)، فتىً رقيق الحاشية، هادئ الطباع، دمث الخلق، لّين العريكة، لم يكن نقل أخبار الموت من هواياته المفضّلة، ولكن حظه السيئ هو ما يضعه في هذا الموقف المُحرج، أذكر مرة أنه أتى لأهل بيتنا بخبر وفاة أحد جدودنا، بكت جدتي وانتحبت أمي كثيراً، انهمرت دموعهما سحّاً وتسكابا، عدّت هذه الحادثة كغيرها، ولكن بعد أقل من شهر، قريبي نفسه، (تذكرت يبدو لي الآن أنه ليس حسن)، أتى بخبر موت أحد أقاربنا من الدرجة الأولى، فَعَلتْ جدتي وأمي ذات الطقوس التي تؤدَى عندما يتوفى أحد أقاربنا من الدرجة الأولى، أما قريبي، تأكدت إنه ليس (حسن)، وثمة احتمال لا بأس به أن يكون اسمه (محمود)، هذا الرجل صار أهل بيتنا يتشاءمون برؤيته تماماً، خصوصاً بعد أن أخبرهم بموت قريبتنا من الدرجة الثانية بعد أسبوعين فقط من آخر خبر نقله.!

سالتُ قريبي هذا، (يبدو لي انه ليس محمود أيضا .. سأتذكره وأخبرك باسمه الحقيقي فيما بعد)، سألته:

- لماذا يختاره القدر دائماً ليكون هو أول من يبلغ عن أخبار الموتى؟

صمت قريبي، الذي تأكدت تماماً من أن اسمه (عبد الملك)، صمت، وحدجني بنظرة طويلة، وأبدى نواجذه لغير تبسم، ثم هزّ رأسه هزةً يمكن ترجمتها إلى:

- ليس ذنبي أن يموت غيري ويصادف أن أكون أنا من ينقل نبأ موته، ثم تلومني الناس على هذه الخدمة.!

أعتقد أن هذه هي ترجمة هزة رأسه، ولو كنت تملك ترجمة أفضل فلا تبخل علينا بخبرتك في هذا المجال.!


معظمنا يتشاءم بأشخاص معينين، أشخاصٌ نعلم تماماً أنهم ليسوا هم السبب الأساسي في مصائبنا الجسام، ولكن هذا لا يمنعنا أن نتشاءم منهم، فالنفس عندما لا تجد التفسير المنطقي تميل إلى الخرافة، وتعزي الأمر إلى أن هذا الشخص منحوس مكنوس، يتبعه النحس حيثما ذهب، خصوصاً أن خبر الموت يحتاج إلى نحس مبالغ فيه، أحياناً أنت نفسك قد تقع ضحية هذا الموقف، حتى ولو كنت من الطراز الذي لا يتدخل فيما لا يعنيه.

بالطبع دائما هنالك نحس أقل، ولكنه لا يعفى صاحبه من أنه شؤم، تصور معي أن أحد أصحابك كلما يدخل إلى منزلكم تقطع الكهرباء من الحي كله، وأن هذه الحالة تكررت خمس مرات على التوالي، على الرغم من أن القدر وقانون الصدفة هو ما يتحكم في مثل هذه الأمور؛ لكنك في داخلك قد تصنف هذا الشخص أنه نحسٌ يمشي على قدمين، وسيصعب عليك أن تفسر الأمر بأنه صدفة، على الرغم من أن الصدفة مرات تفعل أشياء غريبة، ودونك حادث غريب وقع في أمريكا، فـ في إحدى مباريات (البيزبول) الأمريكية طارت الكرة لتضرب يد مشاهد كان ينظف أذنه بعود ثقاب، وكان أن خرق طبلة أذنه، لماذا اختارته الكرة بالذات من بين عشرين ألف مشاهد لتضرب يده ويثقب أذنه ويصاب بالصمم؟ لابد من أنها الصدفة التي هي ذاتها القدر.!


أناس كثيرون لا ذنب لهم في أشياء كثيرة، ولكن الناس تتشاءم بهم، ودونكم قريبي الذي قصصته عليكم، الذي أسمه (عبد الملك)، ولكن لا أدري لماذا أعتقد أن اسمه (عبد الوكيل)، هذا الفتى صار كلما يأتينا، ولو في زيارة ودية، ما إن تراه جدتي حتى تلمع الدموع في عينيها، وتصرخ فيه ليخبرها من مات من الأهل هذه المرة، حتى اضطر لأن يتصل بنا قبل مجيئه ليخبرنا أنه سيأتي بيتنا بعد قليل وليس في معيّته خبر وفاة.!


يُحكي أنّ هنالك ملكاً خرج للصيد، فقابل رجلاً أعوراً، تشاءم به، فأمر بسجنه وضربه، وبعدما عاد الملك مُظفراً من رحلة الصيد، استدعى الرجل واعتذر له، هنا قال الأعور بعد أن طلب الأمان:

- أيها الملك المبجل أنت قابلتني فكان صيدك مُظفراً، وأنا قابلتك فضُربت وسُجنت بلا ذنب، ترى أينا الأشأم على الآخر؟!

0 التعليقات:

إرسال تعليق