السبت، 14 نوفمبر 2009

متسوّلون .. إلا أنهم رجال أعمال

الكُل يعرف أن الصدقة تطفئ غضب الرحمن، وأنها تظل العبد يوم الحشر حتى يقضى الله بين الناس، وأنها وقاية من البلاء، وأنك عندما تريد أن تُخرج صدقة لتقدمها لمسكين، يمسكها سبعين شيطاناً، كلنا يعلم ذلك ولكن المشكلة أصبحتْ في أن تُميّز بين من يستحق وبين من لا يستحق، وأن من المتسولين / الشحادين من يقتنع بما تعطيه، ومنهم من لا يقتنع بتاتاً، وإن منهم من عندما يراك يدرك من أول وهلة أن (الله كريم)، وآخرين يرونك فيعتقدون أنك ابن (الوليد بن طلال)، وإن منهم من إذا قلت له :

- الله يعطينا ويعطيك .. الله كريم.!

يمكن أن يرُد عليك:

- أنا أعرف أن الله كريم .. لكن أعطيني جنيه.

متسوّل كهذا من الصعب أن تقنعه أنك (على الحديدة)، وأن الحديدة التي (أنك) عليها صارت قديمة ومن الأفضل استبدالها بحديدة جديدة، خاصة عندما يكون هذا عاشر واحد يمر عليك، فـ المتسول العبيط يعتقد أن لديه حق دستوري في جيبك، على الرغم من أنه – أحياناً- قد يكون في معيّته مصاريف تكفيه للعمرة مرتين في السنة!.. ويمكن أن يصل معك إلي مرحلة:

- (لماذا لا تريد أن تعطيني؟!).

وإذا أعطيته توقع أن يقول لك :

- زدها قليلاً .. نقودك هذه قليلة ولا تكفيني!!

كل ما سبق شيء، والمتسولات من النساء شيء آخر، وأذكر ذات مرة مررتُ بـ امرأة فخمة المظهر، وتلبس ملابساً ثمنها يطعم ستين مسكيناً، ومن هيئتها ظننتها إحدى أميرات الخليج، رأيتها أوقفتْ رجلاً ذو مال وعمامة كبيرة، تكلمت معه ثلاثة جُمل فقط، فإذا به ينفحها بـ أوراقٍ مالية، لو امتلكت نصفها في ذلك الوقت لأصبحتُ من كبار المستثمرين، استلمتْ المرأة النقود وذهب الرجل، بعده أوقفتْ رجل آخر، وتكرر ذات المشهد، وفي اليوم التالي رأيتها هي بعينها تفعل ذات الشيء في نفس المكان، احترتُ من أسلوب التسوّل الراقي الذي تمارسهُ هذه المرأة، وكنوع من تقصي الأخبار مررت بقربها حتى تُوقفني لأعرف المنطق الذي تقنع به ذوي العباءات والعُمامات الذين سبقوني، لكنها لم تعرني أي اهتمام.!

مرّ عليّ أحد المتسوّلين رفض بتاتاً أن يستلم العُملة من فئة جنيه رأسه وألف وخمسمية وعشرين سيف (إلاّ أن يعطوه خمسة وثلاثين جنيه دفعة واحدة!!)، تعجبتُ كثيراً من تصرفه، وكدتُ أن أجري معه لقاءً صحفياً لولا أن الله ستر، حاول البعض إقناعه بأن يستلم الجنيه بالتي هي أحسن، ويتم عليها من بقية الخيرين من عباد الله، ولكنه رفض الفكرة من أساسها، فالظاهر أن هذا متسوّل يعمل بالإجمالي بعد أن ملّ من الفكة والفئات الصغيرة، والغريب أنه أرجع أي عملة أعطيت له وأسمع صاحبها كلمات مثل :

- أمسك مالك عليك يا أخي .. أنا لا أقبل أقل من خمسة وثلاثين جنيه!!

مثل هذا المتسول لا أعتقد أنه ستتحقق أمنيته هذه، اللهُمّ إلا إذا مرّ عليه في طريقه (بل جيتس)، وللعلم أن (بِلْ جيتس) هذا لو حُولتْ ثروته إلى فئة الواحد دولار، يمكن أن يتم فرشها من الأرض للقمر أربعة عشر مرة، وسيُستخدم لذلك سبعمائة وثلاثة عشر طائرة بوينج لنقلها، وثمن عَجَل حديد واحد من لساتك هذه الطائرة يمكن أن يؤمّن مستقبلك -عزيزي القارئ- ويزوّجك أربعة مرات.!

هناك صنفٌ آخر من المتسولين إذا حاولتَ أن تعتذر له بعدم الفكّة تكون قد جنيت على نفسك جناية كبيرة، أحد أصدقائنا مرّ عليه مثل هذا، فحاول التملص منه وقال له:

- آسف يا حاج ليس لديّ فكة!

رد عليه المتسول بثقة وهو يُحلّ قماشاً ملفوفاً:

- أنا لديّ فكة .. إذا كنت ترغب في فكة عشرة جنيه .. عشرين .. فكة خمسين ألف أيضاً عندنا!!

متسول يفك مبالغ كهذه لا بد أنه مؤهلاً لدخول سوق البورصات وشراء بعض من أسهم الشركات متعددة الجنسيات!!.

ولا يغُرّنك منظر بعض المتسولين، منهم من يستحق، إلا أن عشرة من البقية يمكنهم أن يشتروا (برج إيفل) بحاله !!..

وهنا تحضرني قصة واقعية حدثت في إحدى المُدن، أحضر فاعل خير أرز باللبن لمجموعة من المتسولين المُتسورين حول الجامع، وكان الأرز به مادة مخدِّرة، فأكلوه وناموا نوم العافية، وصاحبنا هذا طاف عليهم ليلاً وهم نائمون، ونهب كل مُدخراتهم التي جمعوها عبر السنين، وفي الصباح، وفي قسم الشرطة فتح (المتسولون) بلاغاً بأكثر من ثمانين مليون جنيه.!

يُحكى أن أحد المُحسنين كان يعطي متسولاً يجلس بقرب منزله ألف جنيه يومياً، وظل الرجل المُحسن على هذا الحال لمدة عام كامل لم يقطع الألف عن المتسوّل، وفي يوم ما أعطى الرجل سبعة ألف للمتسول، فـ استغرب منه، ولكنه قال:

- سبعة ألف أفضل من لا شيء.

وبعد شهر صار الرجل يُعطي المتسول خمسة ألف فقط، المتسول استغرب ولم يستطع الصبر وقال للرجل:

- ماذا حدث يا شيخنا .. قبل سنة كانت عشرة ألف .. صارت سبعة لم نقل شيء .. وصلت إلى خمسة .. لا أستطيع أن أصبر أكثر هذا!!

الرجل المُحسن قال:

- في الأول كان أولادي صغار، لكن الآن كبروا .. البنت دخلت الجامعة والولد دخل الثانوي وازدادت المصاريف.!

سأله الشحاد:

- كم عدد أولادك كلّهم؟.

الرجل:

- أربعة!

الشحاد:

- وهل تريد أن تدرسهم الأربعة على حسابي.!


1 التعليقات:

عبدالرحمن إسحاق يقول...

أظن أن الإحسان على متسولوا الشوارع تشجيعٌ لهم على التسول

إرسال تعليق